إنّ القرار الذي اتخذته مؤخّرا الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل المنعقدة يوم 16 جويلية 2009 بمساندة مرشح الحزب الحاكم السيّد زين العابدين بن علي لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة لا يمثل في حدّ ذاته مفاجأة، ذلك أن الأمين العام للاتحاد لم يترك أي فرصة تمرّ، منذ انتخابه في مؤتمر المنستير، دون أن يعبر عن إعجابه برئيس الدولة والإشادة دون أي تحفظ "برؤيته الصائبة" ولتقديم شواهد الإخلاص والوفاء.
ثم إن الاتحاد قد ساند في السابق نفس المرشح في الدورات الانتخابية من 1989 إلى 2004، فضلا عن مشاركته فيما سمّي "بالجبهة الوطنية" في انتخابات 1981، مباشرة بعد رفع الحظر عن الحزب الشيوعي التونسي وإقرار التعددية الحزبية في البلاد.
لكن ذلك لا يبرّر قرار التزكية في هذه المرّة التي تختلف ملابساتها عن المرّات السابقة ولا يجعله في مأمن من النقد كما لا يبرّر الطريقة التي اتخذ بها والتي تقطع مع ما تعوّد عليه الاتحاد من نقاش مستفيض داخل الهيئة الإدارية تعبّر فيه الجهات والقطاعات عن مواقف لم تكن دائما متجانسة، انطلاقا من هموم الشغالين ومشاغلهم، خاصّة إذا تعلّق الأمر باتخاذ موقف سياسي من القضايا الوطنية والخارجية، مع اللجوء في غالب الأحيان إلى الحسم عن طريق التصويت، السرّي أو العلني.
إن موقف الموالاة الذي أكّدته المنظمة النقابية بعد أن عبّر عنه أمينها العام بصفة محتشمة في القصر الرّئاسي بمناسبة الاحتفال بغرّة ماي 2009، موقف خاطئ وغير قابل للتطبيق على أرض الواقع ولا تتوفّر فيه شروط المصداقية وذلك لأسباب ثلاثة:
أوّلها أن تاريخ المنظمة حافل بالنضالات والتضحيات الجسام والمعارك المريرة التي خاضها الاتحاد للدفاع عن كيانه وفرض استقلاليته عن السلطة وحزبها وبالتالي عن جميع الأحزاب والتيارات السياسية، وأن الوفاء لهذا التاريخ وتلك التضحيات ولأرواح شهداء الحركة النقابية لا يسمح بوضع المنظمة في صفّ المنظمات التابعة والمتذيلة للسلطة.
السبب الثاني يتمثل في أن الاتحاد منظمة نقابية موحّدة وجامعة وأن قوّته تكمن في التنوّع الفكري والسياسي وفي تعدد الاتجاهات داخله وهو ما يفرض على المنظمة النقابية احترام منخرطيها ومواقفهم من الانتخابات السياسية وعدم الزجّ بالاتحاد في متاهات الانحياز لطرف على حساب طرف آخر حتى لا تساهم المنظمة في تكريس عقلية الهيمنة والاستبداد، بل تقوم بدورها الوطني المتميّز في الاستحقاقات السياسية وذلك بوضع كل ثقلها من أجل انتخابات شفافة ونزيهة تضمن التّعدديّة الفعلية والمساواة بين المترشحين وحريّة الاختيار بالنسبة إلى المواطن والعمل على إزالة المظاهر المتفشيّة التي لا تقنع المواطنين بجدوى الانتخابات بل تفرض عليهم هيمنة الحزب الواحد والفكر الواحد والمرشّح الأوحد الذي لا منافس له.
أمّا السبب الثالث، وهو الأهم، فهو جملة المطالب الأساسية التي تضمنها بيان الهيئة الإدارية مثل إطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي وعقد مؤتمر الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واحترام استقلالية القضاء وتطوير الإعلام في اتجاه توسيع مجالات حرية التعبير وتكريس التعددية وتوفير مقومات التنافس الانتخابي النزيه، وهي مطالب سياسية عاجلة لم يظهر في شأنها أي مؤشّر إيجابي ملموس في اتجاه تلبيتها. فكان من المفروض والموقف الرسمي لا يزال يتّسم بالتحجر والانغلاق، ملازمة الحياد تجاه المترشحين مهما كان وزنهم وهو ليس من باب "الجحود" كما ورد في تصريحات الأمين العام للاتحاد لإحدى الصحف اليومية، بل هو الموقف المبدئي الذي يحفظ استقلالية المنظمة ويحترم كل الاتجاهات الفكرية والسياسية داخلها.
ورغم الاحترازات التي عبّر عنها عدد لا يستهان به من ممثلي الشغالين في قطاعات وجهات هامة ومؤثرة تمثل أغلبية المنخرطين في الاتحاد فإن الموقف الرسمي للمنظمة النقابية يجعلها تظهر مرّة أخرى، كما ظهرت في السابق، خلال الحملات الانتخابية الرئاسية والتشريعية وكأنها خلية من خلايا الحزب الحاكم لا فرق بينها وبين بقية المنظّمات المهنية الأكثر وضوحا وانسجاما في نهج التزكية والموالاة.
وأمام هذا الإصرار على المواقف التي تهدّد بالقضاء على البعد الوطني النضالي والديمقراطي للحركة النقابية فلا بدّ من توحيد صفوف النقابيين المتمسكين بديمقراطية العمل النقابي واستقلاليته والحازمين في مقاومة كل مظاهر المنفعية حتى يتمكنوا من تغيير موازين القوى في اتجاه إعادة بناء الحركة النقابية على أسس ديمقراطية تكون في مستوى طموحات الشباب والأجيال الجديدة من المناضلين النقابيين.
جنيدي عبد الجواد, سليم بن عرفة, بكار غريب
الطريق الجديد عدد 138 في 25 جويلية 2009