dimanche 10 janvier 2010

في ذكرى وفاة سعيد قاقي، وفاءً لروحه


فقدت الحركة النقابية على إثر أحداث 26 جانفي 1978 أحد مناضليها الأبرار في شخص المرحوم سعيد قاقي الذي يحيي الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم الذكرى الواحدة والثلاثين لوفاته يوم 9 جانفي 1979. فسعيد قاقي قد وهب حياته للذود عن استقلالية الاتحاد وللنضال من أجل حرية العمل النقابي.

وقد سبق للطريق الجديد أن نشرت في السنة الماضية الرسالة المؤثرة التي توجه بها المرحوم إلى الرأي العام العالمي عشرة أيام فقط قبل وفاته، والتي نشرت لأول مرة بجريدة "لومانتي" الفرنسية. وقد استعرض فيها أساليب التعذيب الوحشية التي سلطت عليه في مقرات وزارة الداخلية من قبل عناصر فقدوا كل شعور بالإنسانية، لم يتردد عن ذكر أسمائهم. وقد كان لهذه الرسالة الوقع المباشر على المشاركين في أشغال الدورة الـ 65 للمنظمة الدولية للشغل التي انعقدت في جوان 1979، حيث أدانت مجموعة العمال الحكومة التونسية وطالبتها بإطلاق سراح المساجين النقابيين وباحترام الحريات النقابية.

لقد عرف سعيد قاقي بتمسكه الصلب بالشرعية النقابية التي رفض أن يحيد قيد أنملة عنها رغم ما ناله من تعذيب، كما بقي الفقيد مناضلا متحملا مسؤولياته كاملة ككاتب عام شرعي لجامعة المعاش والسياحة إلى آخر رمق من حياته، وفيا للقيادة الشرعية وعلى رأسها الحبيب عاشور، متضامنا مع كل أعضائها، معبرا في كل مناسبة عن وقوفه معها، رغم الألم الذي أقعده في نهاية حياته.

و نحن نستعرض بهذه المناسبة مقتطفات من الشهادة التي بلغتنا من رفاقه الذين كانوا موجودين معه بنفس الزنزانة في السجن المدني بتونس عند علمهم بوفاته، وقد تناولها الأخ عبد العزيز بوراوي عند تأبينه للفقيد في موكب الدفن بمقبرة الجلاّز بالعاصمة.

فسعيد قاقي، كما ورد في هذه الشهادة، لم يصمد فقط إزاء أشكال التعذيب الوحشي الذي تعرض له، بل صمد أيضا أمام المرض العضال الذي ألمّ به في السجن، محاولا إخفاء أوجاعه عن رفاقه الذين كانوا معه رهن الاعتقال حتى يحافظوا على معنويات مرتفعة ولا يتملكهم اليأس والإحباط.

ويذكر القادة النقابيون في شهادتهم من داخل السجن أنه "قد ألقي القبض على المناضل سعيد قاقي يوم الجمعة 27 جانفي 1978 على الساعة الثانية صباحا بدار الاتحاد العم التونسي للشغل وتمّ اعتقاله بإدارة الأمن أين ذاق من التعذيب ما لا يطاق إلى موفى يوم السبت 8 أفريل 1978 حيث زجّ به في السجن المدني بتونس".

وقد لاحظوا "أن حالته الصحيّة كانت على أسوء ما تكون رغم محاولة المرحوم إخفاء ذلك عنهم ...

وعندما ازدادت حالته تعكّرا طلب مقابلة طبيب المصحة بالسجن. وأجري عليه أول فحص طبي يوم الاثنين 24 أفريل 1978 من قبل الدكتور د. الذي ذكر له بأن حالته الصحية طيبة ومدّه بمسكنات عادية للمعدة. وأحيل المرحوم سعيد من جديد على نفس الدكتور د. يوم الاثنين 15 ماي 1978 فكان نفس الجواب ونفس الدواء، ولزيادة التأكّد أحاله على الدكتور صـ. الاختصاصي في أمراض المعدة الذي قابله يوم الاثنين 12 جوان 1978 وقد مدّه هذا الأخير بأدوية جديدة لم تعد عليه بأي نفع وجدوى. فأرجع من جديد إلى الدكتور د. يوم الأربعاء 14 جوان إثر توعّك جديد منعه من أكل أي شيء إذ كلما تناول شيئا إلا وتمكنه السعال الشديد ... وقد ذكر له الدكتور د. يومها أنها أوهام وأن حالته الصحية جيدة وبالعبارة الواحدة "أنت أصحّ مني". وفي يوم الاثنين 19 جوان أغمي على المرحوم سعيد وأصيب بنوبة شديدة جاء إثرها ممرض ناوله مسكنا مفعوله لم يكن إلا مؤقتا. وأمام الحالة التي كان عليها المرحوم قرر الإخوان الذين كانوا معه بالزنزانة وعددهم 27 إعلام إدارة السجون بصفة رسمية عن استنكارهم لعدم اعتناء طبيب السجن بالحالة الصحية للمرحوم سعيد رغم خطورتها )سعال مستمر ومبرم وعدم تمكنه من تناول الطعام( طالبين من إدارة السجون نقله إلى المستشفى حالا لإجراء فحوص عميقة من طرف أخصائيين ومحمّلين إدارة السجون مسؤولية كل ما عسى أن يحدث لزميلهم من أخطار وسلموا رسالة رسمية لمدير السجن تضمنت زيادة عن ما ذكر استعداد كافة الإخوان الممضين أسفلها القيام بإضراب جوع إن لم يتم إسعاف زميلهم بصورة جدية ومستعجلة. وفي يوم الأربعاء 21 جوان أرسلته إدارة السجون إلى المستشفى لإجراء صور صدرية. وفي يوم السبت 24 أرجع إلى المستشفى لإعادة الصور وأعلمته إدارة السجون رسميا بأنه سينقل إلى مستشفى أريانة أين سيبقى بضعة أيام. وفي يوم الثلاثاء 27 جوان نقلته إدارة السجون إلى مستشفى أريانة الذي رفض قبوله لعدم وجود مكان حسب ما قيل ثم وقع نقله في نفس اليوم إلى مستشفى الشابي الذي رفض قبوله وذكر له طبيب المستشفى بأنه لا يمكن قبوله إلا بعد الكشف الدقيق ومعرفة نتيجة تحليل الدم والصور. و نقل مرة أخرى يوم الخميس 29 جوان إلى مستشفى الشابي لإجراء تحليل دم.

وفي مساء يوم الجمعة 30 جوان أغمي عليه من جديد بالزنزانة وفي الساعة العاشرة ليلا طلب زملاؤه الإسعاف السريع وجاء ممرض وناوله حقنة وفي يوم الاثنين 3 جويلية 1978 غادر المرحوم سعيد قاقي السجن قاصدا المستشفى نهائيا بعد أن ودّع زملاءه بكامل الحسرة والمرارة. وعلم زملاؤه أنه نقل يوم الأربعاء 9 أوت إلى مستشفى الرابطة لإجراء عملية على المعدة ثم عاد من جديد إلى مستشفى أريانة. وفي يوم الخميس 24 أوت 1978 أعلمت إدارة السجون بأنها أفرجت مؤقتا عن المغفور له سعيد وظنت إدارة السجون بأن هذا الخبر سيكون بشرى لرفاقه. ولكن هؤلاء كانت لهم كالصدمة إذ عرفوا بأن هذا الإفراج جاء نتيجة تعكر حالته الصحية وقد قالوا ذلك لمدير السجن مضيفين أن إدارة السجون أفرجت عنه كي لا يموت بين يديها وفضلت أن تتحمل عائلته نهاية مرضه أي الموت."

نقدم هذه الشهادة وفاء لروح الفقيد وعبرة للأجيال الجديدة من النقابيين حتى يواصلوا النضال دون هوادة من أجل استقلالية العمل النقابي وحتى تتخلص تونس نهائيا من هذه الآفة المتمثلة في التعذيب الممنهج وفي سوء المعاملة بالسجون بما لا يخدم مصلحة تونس بل يشوه سمعتها أكثر من أي شيء آخر.


جنيدي عبد الجواد

Aucun commentaire: